المواضيع المناسبة لخطبة الجمعة

 

يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/ 530 - 531):

وكذلك كانت خطبه صلى الله عليه وسلم. إنما هي ‌تقرير ‌لأصول ‌الإيمان، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وذكر الجنة والنار وما أعدَّ الله لأوليائه وأهل طاعته وما أعدَّ لأعدائه وأهل معصيته. فتمتلئ القلوب من خطبه إيمانًا وتوحيدًا ومعرفةً بالله وأيامه، لا كخطب غيره التي إنما تفيد أمرًا مشتركًا بين الخلائق، وهو النَّوحُ على الحياة والتخويفُ بالموت، فإنَّ هذا أمر لا يحصِّل في القلوب إيمانًا بالله، ولا توحيدًا له، ولا معرفةً خاصَّةً به، ولا تذكيرًا بأيامه، ولا بعثًا للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه؛ فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدةً غير أنهم يموتون، وتُقسَّم أموالهم، ويُبلي الترابُ أجسامهم. فيا ليت شعري أيُّ إيمان حصل بهذا؟ وأيُّ توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به؟

 

ومن تأمَّل خُطَبَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وخُطَب أصحابه وجدها كفيلةً ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الربِّ جل جلاله وأصول الإيمان الكلِّيّة، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه التي تحبِّبه إلى خلقه، وأيامه التي تخوِّفهم من بأسه، والأمرِ بذكره وشكره الذي يحبِّبهم إليه. فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحبِّبه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحبِّبهم إليه؛ فينصرف السامعون وقد أحبُّوه وأحبَّهم.

 

ثم طال العهد، وخفي نور النبوة، وصارت الشرائع والأوامر رسومًا تقام، من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها. فأعطوها صورها، وزيَّنوها بما زيَّنوها به، فجعلوا الرسوم والأوضاع سننًا لا ينبغي الإخلال بها، وأخلُّوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها. فرصَّعوا الخطب بالتسجيع والفِقَر وعلم البديع، فنقص بل عُدِم حظُّ القلوب منها، وفات المقصود بها.

 

فمما حُفِظ من خطبه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُكثِر أن يخطب بالقرآن وبسورة (ق). قالت أم هشام بنت الحارث بن النعمان: ما حفظت (ق) إلا من فِـيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يخطُب بها على المنبر.

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله