سلسلة الفوائد المنتقاة من كتب ابن القيم: الوابل الصيّب من الكلم الطيب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فهذه فوائد منتقاة من كتاب الوابل الصيّب من الكلم الطيب، وهو كتاب في الأدعية والأذكار، قدّم فيه الإمام ابن القيم رحمه الله بمقدمة عن الأمور الثلاثة التي هي عنوان سعادة العبد، وعلامة فلاحه في دنياه وأخراه، وذكر أنواع القلوب والأمور التي يحصل بها استقامة القلب، ودلائل تعظيم الأمر والنهي، والصدقة وآثارها، ثم أورد أكثر من مائة فائدة لذكر الله، ثم ذكر فصولاً نافعة تتعلق بالذكر، وفي الأدعية والأذكار التي لا ينبغي للمسلم تركها.

وقد آثرت أن تكون هذه الفوائد مختصرة بقدرٍ تحصل معه الفائدة. وأسأل الله عز وجل أن ينفع بها الجميع.

*نايف بن علي العوفي

وقت أذكار الصباح والمساء:

وهما ما بين الصبح وطلوع الشمس، وما بين العصر والغروب. قال الله سبحانه وتعالى: (ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا) [الأحزاب: ٤١، ٤٢]... وهذا تفسير ما جاء في الأحاديث: أن من قال كذا وكذا حين يصبح وحين يمسي؛ أن المراد به: قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وأن محل هذه الأذكار بعد الصبح وبعد العصر. (ص: ٢٣٩)

 

مشاهدة المِنّة ومطالعة عيب النفس والعمل:

فمن أراد الله به خيرا فتح له باب الذل والانكسار، ودوام اللجأ إلى الله تعالى والافتقار إليه، ورؤية عيوب نفسه وجهلها وعدوانها، ومشاهدة فضل ربه وإحسانه ورحمته وجوده وبره وغناه وحمده.

فالعارف سائر إلى الله تعالى بين هذين الجناحين، لا يمكنه أن يسير إلا بهما، فمتى فاته واحد منهما فهو كالطير الذي فقد أحد جناحيه.

قال شيخ الإسلام: العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل.

وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح من حديث بريدة رضي الله تعالى عنه «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» فجمع في قوله صلي الله عليه وسلم أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي.

فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان، ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت، وأن لا يرى نفسه إلا مفلسا.  (ص: ٩-١٠)

 

أقرب باب يدخل منه العبد على ربه تبارك وتعالى:

أقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى هو الإفلاس فلا يرى لنفسه حالا ولا مقاما ولا سببا يتعلق به ولا وسيلة منه يمن بها، بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصرف، والافلاس المحض، دخول من كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع وشملته الكسرة من كل جهاته، وشهد ضرورته إلى ربه عز وجل، وكمال فاقته وفقره إليه، وأن في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة، وضرورة كاملة إلى ربه تبارك وتعالى، وأنه إن تخلى عنه طرفة عين هلك وخسر خسارة لا تجبر، إلا أن يعود الله تعالى عليه ويتداركه برحمته. ولا طريق إلى الله أقرب من العبودية، ولا حجاب أغلظ من الدعوى . (ص: ١٢)

 

علاج قسوة القلب:

‌في ‌القلب ‌قسوةً ‌لا ‌يُذِيبها إلّا ذكر الله تعالى، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى.

وذَكَر حماد بن زيد، عن المُعَلَّى بن زياد، أن رجلًا قال للحسن: يا أبا سعيد، أشكو إليك قسوة قلبي، قال: أَذِبْهُ بالذِّكر.

وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة، فإذا ذكر اللهَ تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار، فما أُذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل. (ص: ١٧١)

 

الذكر والغفلة:

الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه، فالقلوب مريضة وشفاؤها ودواؤها في ذكر الله تعالى.

قال مكحول: ذكر الله تعالى شفاء، وذكر الناس داء. (ص: ١٧١)

 

صدأ القلب وجلاؤه:

‌وصدأُ ‌القلب ‌بأمرين: بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر؛ فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ متراكبًا على قلبه، وصداؤه بحسب غفلته، وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل؛ لأنه لما تراكم عليه الصدأ أَظْلَم، فلم تظهر فيه صور الحقائق كما هي عليه.

فإذا تراكم عليه الصدأ واسْوَدَّ، ورَكِبَه الرَّانُ، فَسَدَ تصوُّره وإدراكه، فلا يقبل حقًّا، ولا ينكر باطلًا، وهذا أعظم عقوبات القلب. (ص: ٩٢)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

‌‌الرابعة عشرة: أنه يُورِثه ‌الهيبة ‌لربه عز وجل وإجلالِه؛ لشدة استيلائه على قلبه، وحضوره مع الله تعالى، بخلاف الغافل؛ فإن حجاب الهيبة رقيقٌ في قلبه. (ص: ٩٥)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

العبد ‌إذا ‌تعرَّف ‌إلى الله تعالى، بذكره في الرخاء = عَرَفه في الشدّة، وقد جاء أثرٌ معناه: أن العبد المطيع الذاكر لله تعالى إذا أصابته شدّة، أو سأل الله تعالى حاجة قالت الملائكة: يا ربّ! صوتٌ معروفٌ من عبدٍ معروفٍ.

والغافل المعرض عن ذكر الله عز وجل إذا دعاه أو سأله قالت الملائكة: يا ربّ! صوتٌ منكرٌ من عبدٍ منكر. (ص: ٩٨)

 

وينبغي أن يُعْلَم أن ‌سائر ‌الأعمال ‌تجري ‌هذا ‌المجرى، فَتَفاضُلُ الأعمال عند الله تعالى بِتفاضُلِ ما في القلوب من الإيمان، والإخلاص، والمحبة وتوابعها، وهذا العمل الكامل هو الذي يكفِّر تكفيرًا كاملًا، والناقصُ بِحَسَبِه.

وبهاتين القاعدتين تزول إشكالاتٌ كثيرة، وهما: ‌‌تفاضلُ الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان، وتكفيرُ العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه. (ص: ١٨)

 

أيهما أنفع التسبيح أم الاستغفار:

وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يومًا: سُئِل بعض أهل العلم: أيما أنفع للعبد، التسبيح أو الاستغفار؟

فقال: ‌إذا ‌كان ‌الثوب ‌نقيًّا فالبخور وماء الورد أنفع له، وإن كان دَنِسًا فالصابون والماء الحارُّ أنفع له. فقال لي رحمه الله تعالى: فكيف والثياب لا تزال دَنِسة. (ص: ٢٣٣)

 

أهل الذكر هم السابقون:

قال الوليد بن مسلم: حدثنا محمد بن عجلان: سمعت عمر مولى غفرة يقول: ‌إذا ‌انكَشَف ‌الغِطَاءُ ‌للنَّاس يوم القيامة عن ثواب أعمالهم لم يَرَوْا عملًا أفضل ثوابًا من الذِّكْر، فَيَتَحَسَّرُ عند ذلك أقوامٌ، فيقولون: ما كان شئ أيْسر علينا من الذِّكْر.

وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيرُوا، سَبَقَ المُفَرِّدُونَ" قالوا: وما المُفَرِّدُونَ؟ قال: "الذين أُهْتِرُوْا* في ذِكْرِ الله تعالى، يَضَعُ الذكرُ عنهم أوزارَهم". (ص: ١١٨)

*اهتروا بالشيء وفيه: أولعوا به ولزموه وجعلوه دأبهم.

 

لا تغفل عن هذا الذكر قبل النوم:

وقد تقدَّم حديث علي، ووصية النبي صلى الله عليه وسلم له ولفاطمة رضي الله تعالى عنهما: أن يُسَبِّحا إذا أخذا مضاجعهما للنوم ثلاثًا وثلاثين، ويحمدا ثلاثًا وثلاثين، ويُكَبِّرا أربعًا وثلاثين، وقال: "هو خير لكما من خادم".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: ‌بلغنا ‌أنه ‌من ‌حافظ ‌على ‌هذه الكلمات لم يأخُذْهُ إعياءٌ فيما يعانيه من شُغلٍ، وغيرِهِ. (ص: ٢٥٠)

 

جنة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم:

فمحبةُ الله تعالى، ومعرفته، ‌ودوام ‌ذكره، ‌والسكون ‌إليه، والطمأنينة إليه، وإفراده بالحب، والخوف، والرجاء، والتوكل، والمعاملة، بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته = هو جَنَّةُ الدنيا، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المُحِبّين، وحياة العارفين.

وإنما تَقَرُّ أعين الناس بهم على حسب قرة أعينهم بالله عز وجل؛ فمن قَرَّتْ عينه بالله قَرَّتْ له كُلُّ عين، ومن لم تَقَرَّ عينه بالله تقطَّعت نفسه على الدنيا حسرات. (ص: ١١١)

 

أذكار الخروج من المنزل:

في السنن عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قال -يعني إذا خرج من بيته- بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيت ووقيت وهديت، وتنحى عنه الشيطان. فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدي وكفي ووقي".

وفي مسند الإمام أحمد: "بسم الله آمنت بالله، اعتصمت بالله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله". حديث حسن.

وفي السنن الأربع عن أم سلمة قالت: ما خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بيتي إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: "اللهم إني أعوذ بك أن أضِل أو أُضَل، أو أزِلّ أو أُزَل، أو أظلِم أو أُظلم، أو أجهَل أو يُجهل علي"ّ. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (ص: ٢٦٠)

 

الاستسقاء عند القحط:

قال تعالى: {استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً} .

عن جابر بن عبد الله قال: أتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بواك فقال: «اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، مريئاً مريعاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل» فأطبقت عليهم السماء.

وعن عائشة: شكا الناس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المعلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله عز وجل ثم قال: «إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله سبحانه وتعالى أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم» ثم قال «الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغاً إلى حين» ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس فنزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله عز وجل سحابة فرعدت وبرقت؛ ثم أمطرت بإذن الله تعالى، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى السكن ضحك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت نواجذه وقال: «أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله».

 وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا استسقى قال: «اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحيي بلدك الميت» .

 قال الشعبي: خرج عمر يستسقي، فلم يزد على الاستغفار، فقالوا: ما رأيناك استسقيت، فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزلون بها المطر؛ ثم قرأ {استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً} ، {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى} الآية. ..  (ص: ٣١٥-٣١٦)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

أنه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل.

فإن العبد لا بد له من أن يتكلم؛ فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذكر أوامره تكلم بهذه المحرمات أو بعضها، ولا سبيل إلى السلامة منها ألبتة إلا بذكر الله تعالى.

والمشاهدة والتجربة شاهدان بذلك، فمن عود لسانه ذكر الله صان لسانه عن الباطل واللغو، ومن يبس لسانه عن ذكر الله تعالى ترطب بكل باطل ولغو وفحش، ولا حول ولا قوة إلا بالله. (ص: ٩٧-٩٨)

 

أذكار دخول المنزل:

وفي صحيح مسلم عن جابر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، فإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء".

وفي سنن أبي داود عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج، بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا، ثم ليسلم على أهله".

وفي الترمذي عن أنس قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم تكن بركة عليك وعلى أهل بيتك". وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (ص: ٢٦٢-٢٦٣)

 

ذكر الله تعالى به تستجلب النعم وتستدفع النقم:

ما استُجْلِبَتْ نعم الله عز وجل واسْتُدْفِعَتْ نِقَمُه بمثل ذكر الله تعالى، ‌فالذكر ‌جلَّابٌ للنِّعَم، دفّاعٌ للنِّقَم، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}، وفي القراءة الأخرى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ} [الحج: 38]، فَدَفْعُه ودفاعه عنهم بحسب قوة إيمانهم وكماله، ومادَّةُ الإيمان وقُوَّتُه بذكر الله تعالى، فمن كان أكمل إيمانًا، وأكثر ذكرًا كان دَفْعُ الله تعالى عنه ودفاعه أعظم، ومن نَقَصَ نَقَصَ، ذِكْرًا بِذِكْرٍ، ونسيانًا بنسيانٍ.

وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].

والذِّكْرُ رأس الشكر، كما تقدم، والشكرُ جَلَّابُ النِّعَم، ومُوجِبٌ للمزيد.

قال بعض السلف رحمة الله عليهم: ما أقبح الغفلة عن ذكر مَنْ لا يَغفُلُ عن بِرِّك. (ص: ١٧٣)

 

الشيطان ومكره لإفساد صلاة العبد:

والعبدُ إذا قام في الصلاة ‌غار ‌الشيطان ‌منه، فإنه قد قام في أعظم مقام، وأقربِه، وأغيظِه للشيطان، وأشدِّه عليه، فهو يحرص ويجتهد كل الاجتهاد أن لا يقيمه فيه، بل لا يزال به يَعِدُه ويُمَنِّيه ويُنْسِيه، ويجلب عليه بخيله ورَجِلِه حتى يُهوِّن عليه شأن الصلاة، فيتهاون بها، فيتركها.

فإن عجز عن ذلك منه، وعصاه العبد، وقام في ذلك المقام، أقبل عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه، ويَحُول بينه وبين قلبه، فيذكِّره في الصلاة ما لم يكن يذكر قبل دخوله فيها، حتى ربما كان قد نسي الشيء والحاجة ، وأَيِس منها، فَيُذَكِّره إياها في الصلاة؛ ليشغل قلبه بها، ويأخذه عن الله عز وجل، فيقوم فيها بلا قلب؛ فلا ينال من إقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبلُ على ربه عز وجل، الحاضرُ بقلبه في صلاته، فينصرف من صلاته مثل ما دخل فيها، بخطاياه وذنوبه وأثقاله، لم تَخِفَّ عنه بالصلاة فإن الصلاة إنما تُكَفِّرُ سيئات من أدّى حقها، وأكمل خشوعها، ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه؛ فهذا إذا انصرف منها وجد خِفَّةً من نفسه، وأحس بأثقالٍ قد وُضِعَتْ عنه، فوجد نشاطًا وراحةً وروحًا، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها؛ لأنها قرةُ عينه، ونعيمُ روحه، وجنة قلبه، ومُسْتَراحُه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها، فيستريح بها، لا منها، فالمُحِبُّون يقولون: نصلي فنستريح بصلاتنا، كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم: "يا بلالُ أرِحنا بالصَّلاة"، ولم يقل: أرحنا منها. (ص: ٤٥-٤٦)

 

اعرف قلبك من أي أنواع القلوب:

والقلوب ثلاثة:

قلب خال من الإيمان وجميع الخير، فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه لأنه قد اتخذ بيتاً ووطناً وتحكم فيه بما يريد وتمكن منه غاية التمكن.

القلب الثاني: قلب قد استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف الاهوية، فللشيطان هنالك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع، فالحرب دول وسجال.

وتختلف أحوال هذا الصنف بالقلة والكثرة، فمنهم من أوقات غلبته لعدوه أكثر، ومنهم من أوقات غلبة عدوه له أكثر. ومنهم من هو تارة وتارة.

القلب الثالث: قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان، وانقشعت عنه حجب الشهوات، وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في صدره إشراق، ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به، فهو كالسماء التي حرست بالنجوم فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق. (ص: ٥٢ - ٥٣)

 

- تعظيم الأمر والنهى، وهو ناشيء عن تعظيم الآمر الناهي، فإن الله تعالى ذم من لا يعظّم أمره ونهيه، قال سبحانه وتعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقاراً} قالوا في تفسيرها: ما لكم لا تخافون لله تعالى عظمة. (ص: 15)

 

-‌ ولا ‌فرق ‌بين ‌الحي ‌والميت إلا بالذكر، فمثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت. (ص: ٩٣)

 

 - ‌وليست ‌السماء ‌بأعظم حُرْمَةً من المؤمن، وحراسةُ الله تعالى له أتمُّ من حراسة السماء، والسماء مُتَعبَّدُ الملائكة، ومُسْتَقَرُّ الوحي، وفيها أنوار الطاعات، وقلبُ المؤمن مُسْتَقَرُّ التوحيد والمحبة والمعرفة والإيمان، وفيه أنوارها، فهو حقيقٌ أن يُحْرَس ويُحْفَظَ من كيد العدو، فلا ينال منه شيئًا إلا على غِرّةٍ وغفلةٍ خَطْفَةً. (ص: ٥٣)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

ذكر الله عز وجل يسهل الصعب، وييسر العسير ويخفف المشاق، فما ذكر الله عز وجل على صعب إلا هان، ولا على عسير إلا تيسر، ولا مشقة إلا خفّت، ولا شدّة إلا زالت، ولا كربة إلا انفرجت، فذكر الله تعالى هو الفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، والفرج بعد الغم والهم. (ص: ١٨٤ - ١٨٥)

 

-‌ الذِّكر ‌نورٌ ‌للذاكر ‌في ‌الدنيا، ونورٌ له في قبره، ونورٌ له في معاده، يسعى بين يديه على الصراط، فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله تعالى. (ص: ١١٤)

 

- وقد جعل الله لكل شيء سبباً، وجعل سبب المحبة دوام الذكر؛ فمن أراد أن ينال محبة الله عز وجل: فليلهج بذكره. (ص: ٩٤)

 

الأذكار التي تطرد الشيطان:

قد تقدم أن من قرأ آية الكرسي عند نومه لم يقربه شيطان، وأن من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه، ومن قال في يوم مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كانت له حرزاً من الشيطان يومه كله.

وقد قال تعالى: (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون) وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه". وقال سبحانه وتعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم) وهو الأذان يطرد الشيطان كما تقدم.

وعن زيد بن أسلم أنه ولي معادن فذكروا كثرة الجن؛ فأمرهم أن يؤذنوا كل وقت ويكثروا من ذلك، فلم يكونوا يرون بعد ذلك شيئاً.

وفي صحيح مسلم عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، إن الشيطان حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثاً" ففعلت ذلك فأذهبه الله عز وجل عني.

وأمر ابن عباس رجلاً وجد في نفسه شيئاً من الوسوسة والشك أن يقرأ: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم).

ومن أعظم ما يندفع به شره قراءة المعوذتين وأول الصافات وآخر الحشر. (ص: ٣٠٣ - ٣٠٤)

 

- وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول في خطبته: أيها الناس، إنكم لم تُخلقوا عَبثاً، ولم تُتركوا سُدى، وإن لكم معاداً يجمعكم الله عز وجل فيه للحكم فيكم، والفصل بينكم، فخاب وشقي عبد أخرجه الله عز وجل من رحمته التي وسعت كل شيء، وجنته التي عرضها السموات والأرض. (ص: ٣٦)

 

حقيقة الصوم المشروع:

والصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث.

فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعاً صالحاً، وكذلك أعماله فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها من جالس حامل المسك، كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم.

هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، ففي الحديث الصحيح: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه» وفي الحديث «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش".

فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام وصوم البطن عن الشراب والطعام، فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته، فتصيره بمنزلة من لم يصم. (ص: ٥٧- ٥٨)

 

- عن أبي صالح الزيات أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تبارك وتعالى: "كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، للصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي الله تعالى فرح بصومه".

قال أبو حاتم: شعار المؤمنين يوم القيامة التحجيل بوضوئهم في الدنيا فرقا بينهم وبين سائر الأمم، وشعارهم في القيامة بصومهم طيب خلوف أفواههم أطيب من ريح المسك، ليعرفوا من بين ذلك الجمع بذلك العمل، جعلنا الله تعالى منهم. (ص: ٥٩ - ٦٠)

 

- والعبد إذا قام في الصلاة غار الشيطان منه، فإنه قد قام في أعظم مقام وأقربه وأغيظه للشيطان وأشده عليه، فهو يحرص ويجتهد أن لا يقيمه فيه. (ص: ٤٥)

 

 - الصدقة تفدي العبد من عذاب الله تعالى، فإن ذنوبه وخطاياه تقتضي هلاكه فتجئ الصدقة تفديه من العذاب وتفكه منه. (ص: ٧١)

 

- ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء. (ص: ٩٢)

 

- الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصراط، فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله تعالى. (ص: ٥٠)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى، فإن الغافل بينه وبين الله عز وجل وحشة لا تزول إلا بالذكر. (ص: ٤٣)

 

احذر البخل، ولا تصاحب بخيلاً

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد أو جنتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى ثدييهما وتراقيهما، فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة أنبسطت عنه حتى تغشى أنامله، وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة مكانها".

قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه هكذا في جبته، فرأيته يوسعها ولا تسع.

 ولما كان البخيل محبوساً عن الإحسان ممنوعاً عن البر والخير وكان جزاؤه من جنس عمله، فهو: ضيّق الصدر، ممنوع من الانشراح، ضيّق العطن، صغير النفس، قليل الفرح، كثير الهم والغم والحزن، لا يكاد تُقضى له حاجة، ولا يُعان على مطلوب.

فهو كرجل عليه جُبّة من حديد قد جمعت يداه إلى عنقه بحيث لا يتمكن من إخراجها ولا حركتها، وكلما أراد إخراجها أو توسيع تلك الجبة لزمت كل حلقة من حلقها موضعها.

وهكذا البخيل كلما أراد أن يتصدق منعه بخله فبقي قلبه في سجنه كما هو. (ص: ٣٣)

 

 كثرة ذكر الله.. أمان وبراءة من النفاق:

 كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق، فإن المنافقين قليلو الذكر لله عز وجل، قال الله عز وجل في المنافقين: (ولا يذكرون الله إلا قليلاً)، وقال كعب: من أكثر ذكر الله عز وجل برئ من النفاق.

فهذا من علامة النفاق قلة ذكر الله عز وجل، وكثرة ذكره أمان من النفاق، والله عز وجل أكرم من أن يبتلي قلباً ذاكراً بالنفاق، وإنما ذلك لقلوب غفلت عن ذكر الله عز وجل. (ص: ٨٠)

 

في دوام الذكر تكثيرا لشهود العبد يوم القيامة

إن في دوام الذكر في الطريق والبيت والحضر والسفر والبقاع تكثيراً لشهود العبد يوم القيامة؛ فإن البقعة والدار والجبل والأرض تشهد للذاكر يوم القيامة

قال تعالى: (إِذا زُلزِلَتِ الأَرضُ زِلزالَها- وَأَخرَجَتِ الأَرضُ أَثقالَها- وَقالَ الإِنسانُ ما لَها- يَومَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخبارَها) [الزلزلة: ١-٤]

فروى الترمذي في جامعه من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية: (يَومَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخبارَها)

فقال: أتدرون ما أخبارها؟

قالوا: الله ورسوله أعلم

قال: "فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا كذا وكذا". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (ص: ٨١)

 

من أذكار الخروج من المنزل:

في السنن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال -يعني إذا خرج من بيته- بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيت ووقيت وهديت، وتنحى عنه الشيطان فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووُقي". (ص: ١٠١)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

أنه يورثه المراقبة حتى يُدخله في باب الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الإحسان، كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت. (ص: ٤٢)

 

- فأي لحظة خلا فيها العبد عن ذكر الله عز وجل كانت عليه لا له، وكان خسرانه فيها أعظم مما ربح في غفلته عن الله. وقال بعض العارفين: لو أقبل عبدٌ على الله تعالى كذا وكذا سنة ثم أعرض عنه لحظة لكان ما فاته أعظم مما حصله. (ص: ٩٨)

 

- (وَلا تَكونوا كَالَّذينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنساهُم أَنفُسَهُم أُولئِكَ هُمُ الفاسِقونَ) [الحشر: ١٩]. دوام ذكر الرب تبارك وتعالى: يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده، فإن نسيان الربّ سبحانه وتعالى يوجب نسيان نفسه ومصالحها. (ص: ٤٦)

 

- الذكر سدٌّ بين العبد وبين جهنم، فإذا كانت له إلى جهنم طريق من عمل من الأعمال كان الذكر سداً في تلك الطريق، فإذا كان ذكراً دائماً كاملاً كان سداً محكما لا منفذ فيه، وإلا فبحسبه. (ص: ٧٩)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

أن الذكر يجمع المُتفرق ويُفرّق المُجتمع، ويُقرّب البعيد ويُبعّد القريب؛ فيجمع ما تفرق على العبد من: قلبه وإرادته وهمومه وعزومه، والعذاب كل العذاب في تفرقتها وتشتتها عليه وانفراطها له، والحياة والنعيم في اجتماع قلبه وهمه وعزمه وإرادته.

ويُفرق ما اجتمع عليه من: الهموم والغموم والأحزان والحسرات على فوت حظوظه ومطالبه.

ويُفرق أيضا: ما اجتمع عليه من ذنوبه وخطاياه وأوزاره حتى تتساقط عنه وتتلاشى وتضمحل.

ويًفرق أيضا: ما اجتمع على حربه من جند الشيطان؛ فإن إبليس لا يزال يبعث له سرية، وكلما كان أقوى طلبا لله سبحانه وتعالى وأمثل تعلقا به وإرادة له كانت السرية أكثف وأكثر وأعظم شوكة، بحسب ما عند العبد من مواد الخير والإرادة، ولا سبيل إلى تفريق هذا الجمع إلا بدوام الذكر.

وأما تقريبه البعيد: فإنه يقرب إليه الآخرة التي يبعدها منه الشيطان والأمل، فلا يزال يلهج بالذكر حتى كأنه قد دخلها وحضرها، فحينئذ تصغر في عينه الدنيا وتعظم في قلبه الآخرة، ويُبعد القريب إليه وهي الدنيا التي هي أدنى إليه من الآخرة، فإن الآخرة متى قربت من قلبه بعدت منه الدنيا، كلما قربت منه هذه مرحلة بعدت منه هذه مرحلة، ولا سبيل إلى هذا إلا بدوام الذكر. (ص: ١٥٥-١٥٦)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

أن الذكر ينبه القلب من نومه، ويوقظه من سنته، والقلب إذا كان نائما فاتته الأرباح والمتاجر، وكان الغالب عليه الخسران، فإذا استيقظ وعلم ما فاته في نومته شدّ المئزر وأحيا بقية عمره واستدرك ما فاته، ولا تحصل يقظته إلا بالذكر؛ فإن الغفلة نوم ثقيل. (ص: ٦٥)

 

طريقة التعامل مع من يعرض لك في طريق سيرك إلى الله والدار الآخرة:

واعلم أن الحسرة كل الحسرة الاشتغال بمن لا يجر عليك الاشتغال به إلا فوت نصيبك وحظك من الله عز وجل، وانقطاعك عنه، وضياع وقتك، وضعف عزيمتك، وتفرق همك. فإذا بليت بهذا ولا بد لك منه، فعامل الله تعالى فيه واحتسب عليه ما أمكنك، وتقرب إلى الله تعالى بمرضاته فيه، واجعل اجتماعك به متجرا لك لا تجعله خسارة، وكن معه كرجل سائر في طريقه عرض له رجل وقفه عن سيره، فاجتهد أن تأخذه معك وتسير به فتحمله ولا يحملك

فإن أبى ولم يكن في سيره مطمع فلا تقف معه بلا ركب الدرب، ودعه ولا تلتفت إليه؛ فإنه قاطع الطريق ولو كان من كان، فانج بقلبك، وضُنّ بيومك وليلتك، لا تغرب عليك الشمس قبل وصول المنزلة فتؤخذ أو يطلع الفجر أنّى لك بلماقهم. (ص: ١١١-١١١٢)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

أنه يؤمِّن العبد من الحسرة يوم القيامة؛ فإن كل مجلس لا يذكر العبد فيه ربه تعالى كان عليه حسرة وتِرَة يوم القيامة. (ص: ٤٤)

 

- فمن نسي الله تعالى أنساه نفسه في الدنيا، ونسيه في العذاب يوم القيامة، قال تعالى: (وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى * قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرتَني أَعمى وَقَد كُنتُ بَصيرًا * قالَ كَذلِكَ أَتَتكَ آياتُنا فَنَسيتَها وَكَذلِكَ اليَومَ تُنسى) [طه: ١٢٤-١٢٦] أي: تُنسى في العذاب كما نسيت آياتي فلم تذكرها ولم تعمل بها. (ص: ٤٧)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

أن ذكر الله عز وجل من أكبر العون على طاعته، فإنه يحببها إلى العبد ويسهلها عليه، ويلذّذها له، ويجعل قرّة عينه فيها، ونعيمه وسروره بها بحيث لا يجد لها من الكُلفة والمشقّة والثقل ما يجد الغافل، والتجربة شاهدة بذلك. (ص: ٧٦)

 

الأذكار الجالبة للرزق الدافعة للضيق والأذى:

قال الله سبحانه وتعالى عن نبيه نوح ﷺ: (فَقُلتُ استَغفِروا رَبَّكُم إِنَّهُ كانَ غَفّارًا*يُرسِلِ السَّماءَ عَلَيكُم مِدرارًا*وَيُمدِدكُم بِأَموالٍ وَبَنينَ وَيَجعَل لَكُم جَنّاتٍ وَيَجعَل لَكُم أَنهارًا) [سورة نوح، ١٠-١٢].

وفي بعض المسانيد عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: "من لزم الاستغفار: جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب". (ص: ١١٣)

 

وما أمر الله عز وجل بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان:

إما تقصير وتفريط، وإما إفراط وغلو؛ فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين. (ص: ١٤)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

أنه يورثه حياة القلب، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله تعالى روحه يقول: الذكر للقلب مثل الماء للسمك؛ فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟ (ص: ٤٢)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

والذاكر لله عز وجل في سائر البقاع: مكثّر شهوده، ولعلهم أو أكثرهم أن يقبلوه يوم القيامة، يوم قيام الأشهاد وأداء الشهادات فيفرح ويغتبط بشهادتهم. (ص: ٨١)

 

بين الإمامين: ابن القيم وشيخ الإسلام:

يقول ابن القيم رحمه الله: قلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يوما:

سُئل بعض أهل العلم أيهما أنفع للعبد التسبيح أو الاستغفار؟

فقال: إذا كان الثوب نقيا فالبخور وماء الورد أنفع له، وإذا كان دنسا فالصابون والماء الحار أنفع له.

فقال لي رحمه الله تعالى: فكيف والثياب لا تزال دنسة؟! (ص: ٩٢)

 

- قال عمر بن الخطاب: ذُكر لي أن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة: أنا أفضلكم. (ص: ٣٣)

 

- فالله تعالى لعبده على حسب ما يكون العبد لخلقه، ولهذا جاء في الحديث: "من ستر مسلما ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة، ومن نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله تعالى عنه كربة من كرب يوم القيامة... الحديث". (ص: ٣٦)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

أن الشياطين قد احتوشت العبد، وهم أعداؤه، فما ظنك برجل قد احتوشه أعداؤه المحنقون عليه غيظا وأحاطوا به، وكل منهم يناله بما يقدر عليه من الشر والأذى، ولا سبيل إلى تفريق جمعهم عنه إلا بذكر الله عز وجل. (ص: ٨٢)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

أن الذكر رأس الأصول، وطريق عامة الطائفة ومنشور الولاية: فمن فُتح له فيه فقد فُتح له باب الدخول على الله عز وجل، فليتطهر وليدخل على ربه عز وجل يجد عنده كل ما يريد، فإن وجد ربه عز وجل وجد كل شيء، وإن فاته ربه عز وجل فاته كل شيء. (ص: ٦٤)

 

- إذا تاب العبد توبة نصوحا صادقة خالصة أحرقت ما كان قبلها من السيئات، وأعادت عليه ثواب حسناته. (ص: ١٢)

 

من علامات تعظيم النهي:

أن يغضب لله عز وجل إذا انتُهكت محارمه، وأن يجد في قلبه حزنا وكسرة إذا عُصى الله تعالى في أرضه، ولم يضلع باقامة حدوده وأوامره، ولم يستطع هو أن يغير ذلك. (ص: ١٣)

 

- العارفين كلهم مجمعون على أن التوفيق ألا يكلك الله تعالى إلى نفسك، والخذلان أن يكلك الله تعالى إلى نفسك. (ص: ٧)

 

الصدقة تدفع البلاء:

للصدقة تأثيرا عجيبا في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه. (ص: ٣١)

 

الصدقة تفدي العبد من عذاب الله تعالى:

قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح لما خطب النساء يوم العيد: "يا معاشر النساء تصدقن ولو من حليكن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار". وكأنه حثهن ورغبهن على ما يفدين به أنفسهن من النار. (ص: ٣٢)

 

- جود الرجل يُحببه إلى أضداده، وبُخله يبغضه إلى أولاده:

ويُظهر عيب المرء في الناس بخله *** ويستره عنهم جميعا سخاؤه

تغط بأثواب السخاء فإنني *** أرى كل عيب فالسخاء غطاؤه

 (ص: ٣٤)

 

- تبارك وتعالى أحقّ من ذُكر، وأحقّ من عُبد، وأحقّ من حُمد، وأولى من شُكر، وأنصرُ من ابتُغى، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأعفى من قدر، وأكرم من قُصد، وأعدل من انتقم.

حلمه بعد علمه، وعفوه بعد قدرته، ومغفرته عن عزته، ومنعه عن حكمته، وموالاته عن إحسانه ورحمته.

 ما للعباد عليه حقٌ واجب *** كلا ولا سعيٌ لديه ضائع

إن عُذّبوا فبعدله، أو نُعّموا *** فبفضله، وهو الكريم الواسع

 (ص: ٦٣)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

أنه يحط الخطايا ويذهبها؛ فإنه من أعظم الحسنات، والحسنات يذهبن السيئات. (ص: ٤٤)

 

- ومن علامات تعظيم الأمر والنهي: ألا يسترسل مع الرخصة إلى حد يكون صاحبه جافيا غير مستقيم على المنهج الوسط. (ص: ١٣)

 

ما ﻳﻘﻮﻝ ﻣﻦ اﻏﺘﺎﺏ ﺃﺧﺎﻩ اﻟﻤﺴﻠﻢ:

ﻳﺬﻛﺮ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺃﻥ ﻛﻔﺎﺭﺓ اﻟﻐﻴﺒﺔ ﺃﻥ ﺗﺴﺘﻐﻔﺮ ﻟﻤﻦ اﻏﺘﺒﺘﻪ ﺗﻘﻮﻝ اﻟﻠﻬﻢ اﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﻭﻟﻪ. ﺫﻛﺮﻩ اﻟﺒﻴﻬﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﺪﻋﻮاﺕ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻭﻗﺎﻝ: ﻓﻲ ﺇﺳﻨﺎﺩﻩ ﺿﻌﻒ.

ﻭﻫﺬﻩ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻮﻻﻥ ﻟﻠﻌﻠﻤﺎء -ﻫﻤﺎ ﺭﻭاﻳﺘﺎﻥ ﻋﻦ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ- ﻭﻫﻤﺎ: ﻫﻞ ﻳﻜﻔﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﻴﺒﺔ ﻟﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻟﻠﻤﻐﺘﺎﺏ، ﺃﻡ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺇﻋﻼﻣﻪ ﻭﺗﺤﻠﻴﻠﻪ؟

ﻭاﻟﺼﺤﻴﺢ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺇﻋﻼﻣﻪ، ﺑﻞ ﻳﻜﻔﻴﻪ اﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻭﺫﻛﺮﻩ ﺑﻤﺤﺎﺳﻦ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﻃﻦ اﻟﺘﻲ اﻏﺘﺎﺑﻪ ﻓﻴﻬﺎ. ﻭﻫﺬا اﺧﺘﻴﺎﺭ ﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼﻡ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮﻩ. (ص: ١٤١)

 

- الصلاة اﻟﻤﻘﺒﻮﻟﺔ ﻭاﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﻘﺒﻮﻝ: ﺃﻥ ﻳﺼﻠﻲ اﻟﻌﺒﺪ ﺻﻼﺓ ﺗﻠﻴﻖ ﺑﺮﺑﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ؛ ﻓﺈﺫا ﻛﺎﻧﺖ ﺻﻼﺓ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﺮﺑﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺗﻠﻴﻖ ﺑﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ. (ص: ٢٢)

 

- لله تعالى على العبد عبودية الضراء، وله عبودية عليه فيما يكره، كما له عبودية فيما يحب، وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره، ففيه تفاوت مراتب العباد، وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى. (ص: ٥)

 

- فأي لحظة خلا فيها العبد عن ذكر الله عز وجل كانت عليه لا له، وكان خسرانه فيها أعظم مما ربح في غفلته عن الله.

وقال بعض العارفين: لو أقبل عبد على الله تعالى كذا وكذا سنة ثم أعرض عنه لحظة لكان ما فاته أعظم مما حصّله. (ص: ٣٩)

 

- وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه عز وجل إذا قهر شهوته وهواه، وإلا فقلب قد قهرته الشهوة وأسره الهوى ووجد الشيطان فيه مقعدا تمكّن فيه كيف يخلص من الوساوس والأفكار؟ (ص: ٢٤)

 

- قال حسان عطية: إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة وأن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض، وذلك أن أحدهما مقبل على الله عز وجل والآخر ساهٍ غافل.

فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله وبينه حجاب لم يكن إقبالاً ولا تقريباً، فما الظن بالخالق عز وجل؟

وإذا أقبل على الخالق عز وجل وبينه وبينه حجاب الشهوات والوساوس، والنفس مشغوفة بها ملأى منها، فكيف يكون ذلك إقبالاً وقد ألهته الوساوس والأفكار وذهبت به كل مذهب؟ (ص: ٢١)

 

من فوائد ذكر الله تعالى:

أنه يورثه ذكر الله تعالى له، كما قال تعالى: (فاذكروني أذكركم)، ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلاً وشرفاً، وقال ﷺ فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم". (ص: ٤٢)

 

- القلب كلما اشتدت به الغفلة، اشتدت به القسوة، فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار، فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل. (ص: ٧١)

 

- في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى. (ص: ٧١)

 

لذّة الطاعة نعيم الدنيا:

فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها.

وكان بعض العارفين يقول: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف. (ص: ٤٨)

 

لله تعالى على العبد عبودية في الضراء:

وله عبودية عليه فيما يكره، كما له عبودية فيما يحب، وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره، ففيه تفاوُت مراتب العباد، وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى. (ص: ٥)

 

- الرياء وإن دقّ محبط للعمل، وهو أبواب كثيرة لا تحصر، وكون العمل غير مقيد باتّباع السنة أيضاً موجب لكونه باطلاً، والمنّ به على الله تعالى بقلبه مفسد له، وكذلك المنّ بالصدقة والمعروف والبر والإحسان والصلة مفسد لها. (ص: ١٢)

 

- واعلم أن الحسرة كل الحسرة الاشتغال بمن لا يجر عليك الاشتغال به إلا فوت نصيبك وحظك من الله عز وجل، وانقطاعك عنه، وضياع وقتك، وضعف عزيمتك، وتفرق همك. (ص: ٤٩)

 

الذاكرون هم السابقون:

عمال الآخرة كلهم في مضمار السباق، والذاكرون هم أسبقهم في ذلك المضمار، ولكن القترة والغبار يمنع من رؤية سبقهم، فإذا انجلى الغبار وانكشف رآهم الناس وقد حازوا قصب السبق. (ص: ٧٨)

 

- قال الله سبحانه وتعالى في قصة الرجلين: (وَلَولا إِذ دَخَلتَ جَنَّتَكَ قُلتَ ما شاءَ اللَّـهُ لا قُوَّةَ إِلّا بِاللَّـهِ) [الكهف: ٣٩].

فينبغي لمن دخل بستانه أو داره أو رأى في ماله وأهله ما يعجبه أن يبادر إلى هذه الكلمة، فإنه لا يرى فيه سوءاً. (ص: ١١٥)

 

- والسخي قريب من الله تعالى ومن خلقه ومن أهله، وقريب من الجنة وبعيد من النار، والبخيل بعيد من خلقه بعيد من الجنة قريب من النار، فجود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغّضه إلى أولاده... وحدّ السخاء بذل ما يُحتاج إليه عند الحاجة، وأن يوصل ذلك إلى مستحقه بقدر الطاقة، وليس -كما قال البعض ممن نقص علمه- حد الجود بذل الموجود. (ص: ٣٤)

 

- من علامة النفاق قلة ذكر الله عز وجل، وكثرةُ ذكره أمان من النفاق، والله عز وجل أكرم من أن يبتلي قلباً ذاكراً بالنفاق، وإنما ذلك لقلوب غفلت عن ذكر الله عز وجل. (ص: ٨١)

 

من فوائد ذكر الله عز وجل:

أنه يكسو الوجه نضرة في الدنيا ونورا في الآخرة، فالذاكرون أنضر الناس وجوها في الدنيا وأنورهم في الآخرة، ومن المراسيل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال كل يوم مائة مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، أتى الله تعالى يوم القيامة ووجهه أشد بياضا من القمر ليلة البدر". (ص: ٨١)

 

قاعدة مهمة في تفاضل الأعمال:

تفاضل الأعمال عند الله تعالى بتفاضل ما في القلوب من الإيمان، والإخلاص، والمحبة وتوابعها، وهذا العمل الكامل هو الذي يكفر تكفيرا كاملا، والناقص بحسبه. (ص: ١٨)

 

- فمن أراد الله به خيرا فتح له باب الذّل والانكسار، ودوام اللجأ إلى الله تعالى، والافتقار إليه، ورؤية عيوب نفسه، وجهلها، وظلمها، وعدوانها، ومشاهدة فضل ربه، وإحسانه، ورحمته، وجوده، وبِرّه، وغناه، وحمده. (ص: ١٠)

 

- فمجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس الغفلة مجالس الشياطين، وكل مضاف إلى شكله وأشباهه، وكل امرئ يصبو إلى ما يناسبه. (ص: ١٧٧)

 

الصدقة تدفع البلاء:

للصدقة تأثيرا عجيبا في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه. (ص: ٦٩)

 

- لقد أسمع منادي الإيمان لو صادف آذانا واعية، وشَفَت مواعظ القرآن لو وافقت قلوبا من غيها خالية، ولكن عصفت على القلوب أهوية الشبهات والشهوات فأطفأت مصابيحها، وتمكنت منها أيدي الغفلة والجهالة فأغلقت أبواب رشدها، وأضاعت مفاتيحها، وران عليها كسبها فلم ينفع فيها الكلام، وسكرت بشهوات الغي وشبهات الباطل فلم تصغ بعده إلى الملام، ووُعظت بمواعظ أنكى فيها من الأسنة والسهام، ولكن ماتت في بحر الجهل والغفلة، وأسر الهوى والشهوة، وما لجرح بميت إيلام. (ص: ١٢٧)

 

- قال الله تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) [الأنعام: ١٢٢]

فالأول هو المؤمن استنار بالإيمان بالله ومحبته ومعرفته وذكره، والآخر هو الغافل عن الله تعالى، المُعرض عن ذكره ومحبته. (ص: ١١٤)

 

- فمن عوَّد لسانه ذِكْرَ اللهِ صانَ اللهُ لسانَه عن الباطل واللغو، ومن يَبِسَ لسانُه عن ذكر الله تعالى تَرَطَّبَ بكل باطلٍ ولَغْوٍ وفُحْشٍ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. (ص: ٩٩)

 

- وذُكر عن معاذ بن جبل يرفعه أيضا: "ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها". (ص: ٩٠)

 

- الذكر يُنَبِّه القلب من نومه، ويُوقِظُه من سِنَته، والقلب إذا كان نائمًا فاتَتْهُ الأرباح والمتاجِر، وكان الغالبُ عليه الخسران، فإذا استيقظ وعلم ما فاته في نَوْمَتِه شَدَّ المِئْزر، وأحيا بقية عمره، واستدرك ما فاته، ولا تَحْصُلُ يقظته إلا بالذكر، فإن الغفلة نومٌ ثقيل. (ص: ١٥٧)

 

- أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين: من لا يزال لسانه رطبا بذكره، فإنه اتّقاه في أمره ونهيه، وجعل ذكره شعاره= فالتقوى أوجبت له دخول الجنة والنجاة من النار، وهذا هو الثواب والأجر. والذكر يوجب له القرب من الله عز وجل والزلفى لديه، وهذه هي المنزلة. (ص: ١٦٦)

 

- الذِّكر يعدل عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل، ويعدل الضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل. (ص: ١٥٩)

 

- ولمّا كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء، وهي جامعةٌ لأجزاء العبودية على أتم الوجوه = كانت أفضل من كُلٍّ من القراءة والذكر والدعاء بمفرده؛ لجمعها ذلك كلِّه مع عبوديةِ سائر الأعضاء. (ص: ٢٣٤)

 

- في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى.

وذكر حماد بن زيد، عن المعلى بن زياد، أن رجلا قال للحسن: يا أبا سعيد، أشكو إليك قسوة قلبي، قال: أذبه بالذكر.

وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة، فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار، فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل. (ص: ١٧١)

 

- من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا فليستوطن مجالس الذّكر؛ فإنها رياض الجنة. (ص: ١٧٤)

 

- المؤمن مبارك أين حل، والفاجر مشؤوم أين حل. (ص: ١٧٧)

 

- مُدْمِنَ الذِّكْر يدخل الجنة وهو يضحك؛ لما ذكر ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي، عن أبيه، عن أبي الدرداء قال: "الذين لا تَزالُ ألسنتهم رَطْبَةً مِنْ ذكر الله عز وجل يدخل أحدهم الجنّة وهو يَضْحَك". (ص: ١٧٨)

 

الذكر عند لقاء العدو ومن يخاف من سلطان وغيره:

في سنن أبي داود والنسائي عن أبي موسى الأشعري، أن النبي ﷺ كان إذا خاف قوما قال: "اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم".

ويذكر عن النبي ﷺ أنه كان يقول عند لقاء العدو: "اللهم أنت عضدي، وأنت ناصري، وبك أقاتل". (ص: ٣٠٠)

 

- دُورَ الجنّة تُبْنَى بالذكر، فإذا أَمْسَكَ الذاكرُ عن الذكر أَمْسَكتِ الملائكةُ عن البناء، فإذا أَخَذَ في الذكر أخذوا في البناء. (ص: ١٩١)

 

- الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه؛ فالقلوب مريضة، وشفاؤها ودواؤها في ذكر الله تعالى.

قال مكحول: ذكر الله تعالى شفاء، وذكر الناس داء. (ص: ١٧٢)

 

في الاشتغال بذكر الله شغل للمؤمن:

في الاشتغال بالذِّكر اشتغالًا عن الكلام الباطل من الغيبة، والنميمة، واللغو، ومدح الناس، وذَمِّهم، وغير ذلك، فإن اللسان لا يسكت ألبتة؛ فإما لسانٌ ذاكرٌ، وإمَّا لِسَانٌ لاغٍ، ولابد من أحدهما. (ص: ١٩٨)

 

- وفي الصحيحين عن أبي مسعود الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه".

الصحيح أن معناها: كفتاه من شر ما يؤذيه.

وقيل: كفتاه من قيام الليل، وليس بشيء. (ص: ٢٤٩)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله