فائدة في معنى القيراط الوارد في الأحاديث

فائدة*

لم أزل حريصًا على معرفة المراد بالقيراط في هذا الحديث، وإلى أيِّ شيءٍ نسبتُهُ، حتى رأيت لابن عَقِيل فيه كلامًا، قال: القيراطُ نصف سُدُس درهم مثلًا، أو نصفُ عُشر دينار، ولا يجوزُ أن يكون المُرادُ هاهنا جنسَ الأجر؛ لأن ذلك يدخلُ فيه ثوابُ الإيمان وأعماله كالصَّلاة والحج وغيره، وليس في صلاة الجنازة ما يبلُغ هذا، لم يبقَ إلا أن يرجِعَ إلى المعهود، وهو الأجرُ العائدُ إلى الميت، ويتعلَّق بالميت صبر على المُصَاب فيه وبه وتجهيزه وغسله ودفنه والتَّعزية به، وحَمْل الطعام إلى أهله وتسليتهم، وهذا مجموعُ الأجر الذي يتعلَّقُ بالميِّت، فكان للمصلِّي والجالس إلى أن يُقْبَرَ سُدُسُ ذلك، أو نصفُ سُدُسِه إن صلَّى وانصرف.

قلت: كأنَّ مجموعَ الأجرِ الحاصل على تجهيز الميت من حين الفراق إلى وضعه في لحدِهِ، وقضاء حقِّ أهله وأولاده وجبرهم دينار مثلًا، فللمصلِّي عليه فقط قيراطٌ من هذا الدينار، والذي يتعارفه الناس من القيراط أنه: نصف سُدُس، فإن صلَّى عليه وتَبِعَهُ كان له قيراطانِ منه، وهُما سُدُسُه، وعلى هذا فيكون نسبةُ القيراطِ إلى الأجرِ الكاملِ بحَسَبِ: عِظَمِ ذلك الأجر الكامل في نفسه، فكلما كان أعظمَ كان القيراطُ منه بحسبه، فهذا بَيِّنٌ هاهنا.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اقْتَنى كَلْبًا إلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أو زَرْعٍ نَقَصَ مِنْ أجْرِهِ أو من عَمَلهِ كُلَّ يومٍ قِيرَاطٌ" فيحتمل أن يُراد به هذا المعنى أيضًا بعينه، وهو نصفُ سدس أجر عمله ذلك اليوم، ويكون صِغَرُ هذا القيراط وكِبَرُهُ بحسب قِلَّة عمله وكثرته، فإذا كان له أربعةٌ وعشرون ألف حسنةٍ مثلًا، نقص منها كلَّ يوم ألفا حسنة. وعلى هذا الحساب، والله أعلم بمراد رسوله، وهذا مبلغُ الجَهد في فهم هذا الحديث.


بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (3/ 1067 - 1068)

 

*مما نقله ابن القيم عن ابن عقيل، وعلّق عليه.

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله