فلما قام الدليل، ووضح السبيل، وتم البرهان على أنهم مملوكون، مربوبون، مجزيون، محاسبون = ذكر طبقاتهم عند الحشر الأول، والقيامة الصغرى. وهي ثلاثة:
1 - طبقة المقربين.
2 - وطبقة أصحاب اليمين.
3 - وطبقة المكذبين.
فجعل تحية المقربين عند الموافاة: الروح، والريحان، والجنة. وهذه الكرامات الثلاث التي يعطونها بعد الموت نظير الثلاثة التي يعطونها يوم القيامة.
فـ "الروح": الفرح، والسرور، والابتهاج، ولذة الروح، فهي كلمة جامعة لنعيم "الروح" ولذتها، وذلك قوتها وغذاؤها.
و"الريحان": الرزق، وهو الأكل والشرب.
و"الجنة": المسكن الجامع لذلك كله.
فيعطون هذه الثلاثة في البرزخ، وفي المعاد الثاني.
ثم ذكر الطبقة الثانية، وهي طبقة أصحاب اليمين. ولما كانوا دون المقربين في المرتبة جعل تحيتهم عند القدوم عليه السلامة من الآفات والشرور التي تحصل للمكذبين الضالين فقال تعالى: {وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين} [الواقعة: 90، 91].
و"السلام": مصدر من سلم، أي: فلك السلامة. والخطاب له نفسه، أي يقال له: لك السلامة، كما يقال للقادم: لك الهناء، ولك السلامة، ولك البشرى، ونحو ذلك من الألفاظ. كما يقولون: خير مقدم، ونحو ذلك، فهذه تحيته عند اللقاء.
قال مقاتل: "يسلم الله لهم أمرهم، بتجاوزه عن سيئاتهم، وتقبله حسناتهم".
وقال الكلبي: "يسلم عليه أهل الجنة، ويقولون: السلامة لك".
وعلى هذا فقوله: {من أصحاب اليمين}، أي: هذه التحية حاصلة لك من إخوانك أصحاب اليمين، فإنه إذا قدم عليهم حيوه بهذه التحية، وقالوا: السلامة لك.
وفي الآية أقوال أخر، فيها تكلف وتعسف، فلا حاجة إلى ذكرها.
ثم ذكر الطبقة الثالثة، وهي طبقة الضال في نفسه، المكذب لأهل الحق، وإن له عند الموافاة نزل الحميم، وسكنى الجحيم.
ثم أكد هذا الخبر بما جعله كأنه رأي العين لمن آمن بالله ورسوله فقال - عز وجل -: {إن هذا لهو حق اليقين} [الواقعة: 95]، فرفع شأنه عن درجة الظن إلى العلم، وعن درجة العلم إلى اليقين، وعن درجة اليقين إلى حقه.
ثم أمره أن ينزه اسمه - تبارك وتعالى - عما لا يليق به، وتنزيه الاسم متضمن لتنزيه المسمى عما يقوله الكاذبون والجاحدون.
التبيان في أيمان القرآن - ط عطاءات العلم (1/ 354 - 356)