والقلب السليم الذي ينجو من عذاب الله هو القلب الذي قد سلم من هذا*، وهذا فهو القلب الذي قد سلم لربه وسلم لأمره ولم تبق فيه منازعة لأمره ولا معارضة لخبره؛ فهو سليم مما سوى الله وأمره لا يريد إلا الله ولا يفعل إلا ما أمره الله، فالله وحده غايته، وأمره وشرعه وسيلته وطريقته، لا تعترضه شبهة تحول بينه وبين تصديق خبره لكن لا تمر عليه إلا وهي مجتازة تعلم أنه لا قرار لها فيه ولا شهوة تحول بينه وبين متابعة رضاه؛ ومتى كان القلب كذلك فهو سليم من الشرك، وسليم من البدع، وسليم من الغيّ، وسليم من الباطل، وكل الأقوال التي قيلت في تفسيره فذلك يتضمنها، وحقيقته أنه القلب الذي قد سلم لعبودية ربّه حياء وخوفا وطمعا ورجاء، فَفَنَى بحبّه عن حُب ما سواه، وبخوفه عن خوف ما سواه، وبرجائه عن رجاء ما سواه، وسلّم لأمره ولرسوله تصديقا وطاعة كما تقدم، واستسلم لقضائه وقدره فلم يتّهمه ولم ينازعه ولم يتسخط لأقداره؛ فأسلم لربه انقيادا وخضوعا وذُلّاً وعبوديةً، وسلّم جميع أحواله وأقواله وأعماله وأذواقه ومواجيده ظاهرا وباطنا من مشاكة رسوله، وعرض ما جاء من سواها عليها، فما وافقها قبله وما خالفها ردّه، وما لم يتبين له فيه موافقة ولا مخالفة وقّف أمره وأرجأه إلى أن يتبين له، وسالم أولياءه وحزبه المفلحين الذابّين عن دينه وسنّة نبيّه القائمين بها، وعادى أعداءه المخالفين لكتابه وسنة نبيّه الخارجين عنهما الداعين الى خلافهما.
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 41)
*يعني: شبهة تقدح في تصديقه وشهوة تمنع امتثاله.