وكان صلى الله عليه وسلم يدخل على أهله فيقول: «هل عندكم شيءٌ؟»، فإن قالوا: لا، قال: «إنِّي إذًا صائمٌ». فينشئ النيَّة للتَّطوُّع من النَّهار. وكان أحيانًا ينوي صوم التَّطوُّع ثمَّ يفطر بعدُ. أخبرت عائشة عنه بهذا وهذا، فالأوَّل في «صحيح مسلم»، والثَّاني في «كتاب النَّسائي».
وأمَّا الحديث الذي في «السُّنن» عن عائشة: كنتُ أنا وحفصة صائمتين، فعُرِضَ لنا طعامٌ اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرَتْني إليه حفصة، وكانت ابنةَ أبيها، فقالت: يا رسول اللَّه، إنَّا كنَّا صائمتين، فعُرِضَ لنا طعامٌ اشتهيناه فأكلنا منه، فقال: «اقْضِيا يومًا مكانه» = فهو حديثٌ معلولٌ. قال الترمذي: روى مالك بن أنسٍ، ومعمر، وعبد الله بن عمر، وزياد بن سعدٍ، وغير واحدٍ من الحفَّاظ، عن الزُّهريِّ عن عائشة مرسلًا، لم يذكروا فيه «عن عروة»، وهذا أصحُّ.
ورواه أبو داود والنَّسائي عن شَريك عن زُمَيل مولى عروة، عن عروة، عن عائشة موصولًا. وقال النَّسائي: زُمَيل ليس بالمشهور. وقال البخاريُّ: لا يُعرف لزُمَيل سماعٌ من عروة، ولا لشريك من زُميل، ولا تقوم به الحجَّة.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا كان صائمًا ونزل على قومٍ أتمَّ صيامه ولم يفطر، كما دخل على أم سُليم، فأتتْه بتمرٍ وسَمْنٍ، فقال: «أعيدوا سَمْنَكم في سِقائه، وتمرَكم في وعائه، فإنِّي صائمٌ». ولكنَّ أم سليم كانت عنده بمنزلة أهل بيته، وقد ثبت عنه في «الصَّحيح»: «إذا دُعي أحدكم إلى طعامٍ وهو صائمٌ فليقل: إنِّي صائمٌ».
وأمَّا الحديث الذي رواه ابن ماجه والتِّرمذيُّ عن عائشة ترفعه: «مَن نزلَ على قومٍ فلا يصومنَّ تطوُّعًا إلا بإذنهم» = فقال الترمذي: هذا حديث منكرٌ، لا نعرف أحدًا من الثِّقات روى هذا الحديث عن هشام بن عروة.
زاد المعاد ط عطاءات العلم (2/ 103)