الفائدة السبعون: إذا حدثت حادثة ليس فيها قول لأحد من العلماء، فهل يجوز الاجتهاد فيها بالإفتاء والحكم أم لا؟
فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يجوز. وعليه تدل فتاوى الأئمة وأجوبتهم، فإنهم كانوا يُسألون عن حوادث لم تقع قبلهم، فيجتهدون فيها. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر». وهذا يعُمُّ ما اجتهد فيه مما لم يعرف فيه قولَ من قبله، وما عرف فيه أقوالًا، واجتهد في الصواب منها. وعلى هذا درج السلف والخلف. والحاجة داعية إلى ذلك لكثرة الوقائع واختلاف الحوادث. ومن له مباشرة لفتاوى الناس يعلم أن المنقول، وإن اتسع غاية الاتساع، فإنه لا يفي بوقائع العالم جميعًا. وأنت إذا تأملت الواقعَ رأيت مسائل كثيرة واقعة، وهي غير منقولة، ولا يُعرف فيها كلامٌ لأئمة المذاهب ولا لأتباعهم.
والثاني: لا يجوز له الإفتاء، ولا الحكم، بل يتوقف حتى يظفر فيها بقائل. قال الإمام أحمد لبعض أصحابه: إياك أن تتكلَّم في مسألة ليس لك فيها إمام.
والثالث: يجوز ذلك في مسائل الفروع، لتعلُّقها بالعمل، وشدة الحاجة إليها، وسهولة خطرها. ولا يجوز في مسائل الأصول.
والحق: التفصيل، وأن ذلك يجوز، بل يستحبُّ أو يجب عند الحاجة وأهليَّة المفتي والحاكم. فإن عُدِم الأمران لم يجُز، وإن وُجد أحدهما دون الآخر احتمل الجواز، والمنع، والتفصيل؛ فيجوز للحاجة دون عدمها. والله أعلم.
إعلام الموقعين عن رب العالمين (5/ 186 – 187 ط عطاءات العلم)