والفرق بين الصبر والقسوة: أنَّ الصبرَ خلقٌ كَسبي يتخلَّق به العبد، وهو حبسُ النفس عن الجزَع والهلَع والتشكِّي، فيحبس النفسَ عن التسخُّط، واللسانَ عن الشكوى، والجوارحَ عما لا ينبغي له فعله. وهو ثبات القلب على الأحكام القدرية والشرعية.
وأما القسوةُ، فيُبْسٌ في القلب يمنعه من الانفعال، وغِلظةٌ تمنعه من التأثر بالنوازل. فلا يتأثَّر بها لغلظته وقساوته لا لصبره واحتماله.
وتحقيقُ هذا أن القلوب ثلاثة: قلب قاسٍ غليظ بمنزلة اليد اليابسة، وقلب مائع رقيق جدًّا. فالأول لا ينفعل لخيرٍ بمنزلة الحجر، والثاني بمنزلة الماء، وكلاهما ناقصٌ.
وأصحُّ القلوب: القلبُ الرقيق الصافي الصلب. فهو يرى الحقَّ من الباطل بصفائه، ويقبله ويؤثره برِقَّته، ويحفظه ويحارب عدوَّه بصلابته. وفي أثرٍ: القلوبُ آنيةُ الله في أرضه، فأحبُّها إليه أرقُّها وأصلَبها وأصفاها. وهذا القلبُ الزجاجي، فإن الزجاجة جمعت الأوصافَ الثلاثة.
وأبغضُ القلوب إلى الله: القلب القاسي. قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 22]. وقال: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74].
وقال: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 53] فذكر القلبين المنحرفين عن الاعتدال. هذا بمرضه، وهذا بقسوته. وجعل إلقاءَ الشيطان فتنةً لأصحاب هذين القلبين، ورحمةً لأصحاب القلب الثالث. وهو القلبُ الصافي الذي ميَّز بين إلقاء الشيطان وإلقاء الملك بصفائه، وقبِلَ الحقَّ بإخباته ورقَّته، وحارب النفوسَ المبطلةَ بصلابته وقوته. فقال تعالى عقبَ ذلك: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الحج: 54].
الروح (٢/ ٦٧٦ - ٦٧٨ ط عطاءات العلم)