قال مالكٌ رحمه الله وقد سئل عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كيف استوى؟ فأطرق مالكٌ حتَّى علاه الرُّحَضاء، ثمَّ قال: الاستواء معلوم، والكيف غير معقولٍ، والإيمان به واجب، والسُّؤال عنه بدعة؛ فرَّق بين المعنى المعلوم من هذه اللفظة، وبين الكيف الذي لا يعقله البشر.
وهذا الجواب من مالكٍ رحمه الله شافٍ عامٌّ في جميع مسائل الصِّفات، فمن سأل عن قوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] كيف يسمع ويرى؟ أجيب بهذا الجواب بعينه، فقيل له: السمع والبصر معلوم، والكيف غير معقولٍ.
وكذلك من سأل عن العلم، والحياة، والقدرة، والإرادة، والنُّزول، والغضب، والرِّضا، والرحمة، والضحك، وغير ذلك؛ فمعانيها كلُّها مفهومة. وأمَّا كيفيتها فغير معقولةٍ، إذ تعقُّل الكيف فرع العلم بكيفيَّة الذات وكنهها، فإذا كان ذلك غير معقولٍ للبشر، فكيف تُعقل لهم كيفيَّة الصِّفات؟
والعصمة النافعة في هذا الباب: أن تصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومن غير تكييفٍ ولا تمثيلٍ. بل تُثبت له الأسماء والصِّفات، وتنفي عنه مشابهة المخلوقات، فيكون إثباتك منزَّهًا عن التشبيه، ونفيك منزَّهًا عن التعطيل. فمن نفى حقيقة الاستواء فهو معطِّل، ومن شبَّهه باستواء المخلوق على المخلوق فهو ممثِّل، ومن قال: هو استواءٌ ليس كمثله شيء فهو الموحِّد المنزِّه.
وهكذا الكلام في السمع، والبصر، والحياة، والإرادة، والعلم، والقدرة، واليد، والوجه، والرِّضا، والغضب، والنُّزول والضّحك، وسائر ما وصف به نفسه.
مدارج السالكين (2/ 337 – 338 ط عطاءات العلم)