وأما النوع الثاني من الأتباع: فهم أتباع المؤمنين من ذريتهم الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبع لهم، وقال الله تعالى فيهم: (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖ) [الطور: 21].
أخبر سبحانه أنه ألحق الذريّة بآبائهم في الجنة كما أتبعهم إياهم في الإيمان، ولما كان الذريّة لا عمل لهم يستحقون به تلك الدرجات قال تعالى: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) والضمير عائد إلى الذين آمنوا، أي: وما نقصناهم من عملهم؛ بل رفعنا ذريتهم إلى درجتهم مع توفيتهم أجور أعمالهم، فليست منزلتهم منزلة من لم يكن له عمل، بل وفيناهم أجورهم فألحقنا بهم ذريتهم فوق ما يستحقون من أعمالهم.
ثم لما كان هذا الإلحاق في الثواب والدرجات فضلاً من الله فربما وقع في الوهم أن إلحاق الذرية أيضاً حاصل لهم في حكم العدل، فلما اكتسبوا سيئات أوجبت عقوبة، كان كل عامل رهيناً بكسبه لا يتعلق بغيره شيء فالإلحاق المذكور إنما هو في الفضل والثواب لا في العدل والعقاب وهذا نوع من أسرار القرآن وكنوزه التي يختص الله بفهمها من شاء.
فقد تضمنت هذه الآية أقسام الخلائق كلهم: أشقيائهم وسعدائهم، السعداء المتبوعين والأتباع، والأشقياء المتبوعين والإتباع.
فعلى العاقل الناصح لنفسه أن ينظر في أي الأقسام هو، ولا يغتر بالعادة ويخلد إلى البطالة؛ فإن كان من قسم سعيد انتقل إلى ما هو فوقه وبذل جهده والله ولي التوفيق والنجاح، وإن كان من قسم شقي انتقل منه إلى القسم السعيد في زمن الإمكان قبل أن يقول يا ليتني اتّخدت مع الرسول سبيلا.
الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه (ص57)