سلسلة الفوائد المنتقاة من كتب ابن القيم: صوم رمضان وأحكامه

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فإن شهر رمضان موسم من مواسم الطاعات التي تُضاعف فيها الأجور، وتتهذّب فيها النفوس وتنقطع عن مألوفاتها، ويٌحقق فيه المسلمُ التقوى التي هي شعار الصوم ومقصوده الأعظم، وقد اختصّه الله تعالى بخصائص عظيمة وجمع فيه من الفضائل ما لم يجتمع في غيره. ومن بلّغه الله تعالى هذا الشهر فيجب عليه أن يبادر إلى استغلاله بإكثار الطاعات والتزوّد من الخيرات، ومما يُعين على ذلك معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه، والتفقّه في أحكامه.

وقد جمعت طرفاً من ذلك من كلام الإمام ابن القيم رحمه الله، وآثرت أن تكون هذه الفوائد مختصرة بقدرٍ تحصل معه الفائدة. وأسأل الله عز وجل أن ينفع بها الجميع.

*نايف بن علي العوفي

 

رمضان يجمع الفضائل:

ومن ذلك تفضيل شهر رمضان على سائر الشهور، وتفضيل عشره الأخير على سائر الليالي، وتفضيل ليلة القدر على ألف شهر. زاد المعاد (1/ 35)

 

من صحّ له رمضان وسلِم= صحّت له سائر سنته. زاد المعاد (1/ 492)

 

رمضان سيد الشهور:

وخصّ -سبحانه- بعض الأزمنة على بعض، وبعض الأمكنة على بعض بخصائص مع تساويها؛ فجعل ليلة القدر خيرا من ألف شهر، وجعل شهر رمضان سيد الشهور. إعلام الموقعين (2/ 344)

 

الله سبحانه جعل لأهل كل مِلة يوماً يتفرغون فيه للعبادة ويتخلون فيه عن أشغال الدنيا، فيوم الجمعة يوم عبادة، وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان. زاد المعاد (1/ 492)

 

حقيقة الصوم المشروع:

والصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث.

فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعاً صالحاً، وكذلك أعماله فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها من جالس حامل المسك، كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم.

هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، ففي الحديث الصحيح: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه"، وفي الحديث: "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش".

فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام وصوم البطن عن الشراب والطعام، فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته، فتصيره بمنزلة من لم يصم. الوابل الصيّب (ص: 57 - 58)

 

يقول ابن القيم رحمه الله عن الصيام:

فهو لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين، وهو لربّ العالمين من بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعل شيئا، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده. زاد المعاد (2/ 34)

 

منافع الصوم تفوت الإحصاء:

‌الصَّوم ‌جُنَّةٌ ‌من أدواء الرُّوح والقلب والبدن. منافعه تفوت الإحصاء. وله تأثير عجيب في حفظ الصِّحَّة، وإذابة الفضلات، وحبس النَّفس عن تناول مؤذياتها، ولا سيَّما إذا كان باعتدالٍ وقصدٍ، في أفضل أوقاته شرعًا، وحاجة البدن إليه طبعًا.
ثمَّ إنَّ فيه من إراحة القوى والأعضاء ما يحفظ عليها قواها. وفيه خاصِّيَّةٌ تقتضي إيثاره: وهي تفريحُه للقلب عاجلًا وآجلًا. وهو أنفع شيءٍ لأصحاب الأمزجة الباردة الرَّطبة وله تأثيرٌ عظيمٌ في حفظ صحَّتهم، وهو يدخل في الأدوية الرَّوحانيَّة والطَّبيعيَّة. وإذا راعى الصَّائم فيه ما ينبغي مراعاته طبعًا وشرعًا عظُمَ انتفاعُ قلبه وبدنه به، وحَبَس عنه الموادَّ الغريبة الفاسدة الَّتي هو مستعدٌّ لها، وأزال الموادَّ الرَّديَّة الحاصلة بحسب كماله ونقصانه، وتحفُّظِ الصَّائم ممَّا ينبغي أن يتحفَّظ منه، وقيامِه بمقصود الصَّوم وسرِّه وعلَّته الغائيَّة. فإنَّ القصد منه أمرٌ آخر وراء ترك الطَّعام والشَّراب، وباعتبار ذلك الأمر اختصَّ من بين الأعمال بأنَّه لله سبحانه. زاد المعاد (4/ 493 - 494)

 

‌وقت فرض الصيام والعلّة في تأخيره:

ولمَّا كان فَطْم النُّفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشقِّ الأمور وأصعبها عليها، أُخِّر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة، لمَّا توطَّنت النُّفوس على التَّوحيد والصَّلاة، وأَلِفتْ أوامرَ القرآن، فنُقِلتْ إليه بالتَّدريج. وكان ‌فرضه ‌في السَّنة الثَّانية من الهجرة، فتوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضاناتٍ، وفُرِض أوَّلًا على وجه التَّخيير بينه وبينَ أن يطعمَ كلَّ يومٍ مسكينًا، ثمَّ نُقل عن ذلك التَّخيير إلى تحتُّم الصَّوم. زاد المعاد (2/ 36)

 

صوم يوم الشّكّ:

وكان إذا ‌حالَ ‌ليلةَ ‌الثَّلاثين ‌دون ‌منظره غيمٌ أو سحابٌ أكمل شعبان ثلاثين يومًا ثمَّ صام. ولم يكن يصوم يوم الإغمام ولا أمر به، بل أمر بأن يكمل عدَّة شعبان ثلاثين إذا غُمَّ، وكان يفعل كذلك. فهذا فعله وأمره، ولا يناقض هذا قولَه: «فإن غُمَّ عليكم فاقدِروا له»، فإنَّ القدْر هو الحساب المقدَّر، والمراد به الإكمال كما قال: «فأكمِلوا العدَّة»، والمراد بالإكمال إكمال عدَّة الشَّهر الذي غُمَّ. زاد المعاد (2/ 47)

 

ونهى ‌عن ‌استقبال ‌رمضان بيوم أو يومين، لئلا يُتخذ ذريعة إلى الزيادة في الصوم الواجب، كما فعل أهل الكتاب. إغاثة اللهفان (1/ 624)

 

كان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثارُ من أنواع العبادات، وكان جبريل يدارسه القرآنَ في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجودَ بالخير من الرِّيح المرسلة، وكان أجود النَّاس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصَّدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصَّلاة والذِّكر والاعتكاف. زاد المعاد (2/ 37)

 

وكان ﷺ يخصُّ رمضان من العبادة بما لا يخصُّ به غيره من الشُّهور، حتَّى إنَّه كان ليواصل فيه أحيانًا ليوفِّر ساعاتِ ليله ونهاره على العبادة، وكان ينهى أصحابه عن الوصال، فيقولون له: فإنَّك تواصل، فيقول: «لستُ كهيئتِكم، إنِّي أبيت ـ وفي روايةٍ: إنِّي أظلُّ ـ عند ربِّي يُطعمني ويَسقيني». زاد المعاد (2/ 38)

 

‌ونهى ‌الصَّائم ‌عن ‌الرَّفَث والصَّخَب والسِّباب وجواب السِّباب، وأمره أن يقول لمن سابَّه: «إنِّي صائمٌ». فقيل: يقوله بلسانه وهو أظهر، وقيل: بقلبه تذكيرًا لنفسه بالصَّوم، وقيل: يقوله في الفرض بلسانه، وفي التَّطوِّع في نفسه، لأنَّه أبعد عن الرِّياء. زاد المعاد (2/ 67)

 

وندب ﷺ إلى الصدقة في شهر رمضان فإذا صام وتصدق حصلت له المصلحتان معا، وهذا أكمل ما يكون من الصوم وهو الذي كان يفعله النبي ﷺ فإنه كان أجود ما يكون في رمضان. مفتاح دار السعادة (2/ 939)

 

قال النبي ﷺ لمن سأله عن أفضل الأعمال: "عليك بالصوم فإنه لا عِدْلَ له".

ولما كان الصبر حبس النفس عن إجابة داعي الهوى، وكان هذا حقيقة الصوم- فإنه حبس النفس عن إجابة داعي شهوة الطعام والشراب والجماع- فُسِّرَ الصبر في قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) [البقرة: ٤٥] إنه: الصوم، وسمِّي شهر رمضان: شهر الصبر.

وقال بعض السلف: الصوم نصف الصبر. عدة الصابرين (ص: 212)

 

عن أبي صالح الزيات أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، للصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي الله تعالى فرح بصومه".

قال أبو حاتم: شعار المؤمنين يوم القيامة التحجيل بوضوئهم في الدنيا فرقا بينهم وبين سائر الأمم، وشعارهم في القيامة بصومهم طيب خلوف أفواههم أطيب من ريح المسك، ليعرفوا من بين ذلك الجمع بذلك العمل، جعلنا الله تعالى منهم. الوابل الصيب (ص: 27)

 

معنى الإيمان والاحتساب الوارد في الأحاديث:

في ‌كلام ‌النبيِّ ‌صلى ‌الله ‌عليه ‌وسلم ‌كقوله: "من ‌صام ‌رمضان ‌إيمانًا ‌واحتسابًا … ‌ومن ‌قام ‌ليلة ‌القدر ‌إيمانًا ‌واحتسابًا ‌غفر ‌له"، فالصِّيام والقيام هو الطّاعة، والإيمانُ: مراقبة الأمر، وإخلاص الباعث هو أن يكون الإيمان الآمرَ لا شيءٌ سواه، والاحتساب: رجاء ثواب الله. فالاعتصام بحبل الله يحمي من البدعة وآفات العمل. مدارج السالكين (2/ 102)

 

وكان صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي، وكان فطره على رطبات إن وجدها، فإن لم يجدها فعلى تمرات، فإن لم يجد فعلى حسوات من ماء. زاد المعاد (2/ 65)

 

لا حرج في اغتسال الجنب بعد الفجر وفي تقبيل أزواجه وهو صائم:

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يدركه الفجر وهو جنب من أهله، فيغتسل بعد الفجر ويصوم، وكان يقبل بعض أزواجه وهو صائم في رمضان، وشبّه قبلة الصائم بالمضمضة بالماء. زاد المعاد (2/ 71 - 72)

 

وجُعل الإطعام للشَّيخ الكبير والمرأة إذا لم يطيقا الصِّيام، فإنَّهما يفطران ويطعمان عن كلِّ يومٍ مسكينًا، ورُخِّص للمريض والمسافر أن يفطرا ويقضيا، وللحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما كذلك، وإن خافتا على ولديهما زادتا مع القضاء إطعامَ مسكينٍ لكلِّ يومٍ، فإنَّ فطرهما لم يكن لخوف مرضٍ، وإنَّما كان مع الصِّحَّة، فجُبِر بإطعام المسكين. زاد المعاد (2/ 36 - 37)

 

صحة صيام من أكل ناسيا:

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إسقاط القضاء عمن أكل وشرب ناسيا، وأن الله سبحانه هو الذي أطعمه وسقاه، فليس هذا الأكل والشرب يضاف إليه فيفطر به، فإنما يفطر بما فعله، وهذا بمنزلة أكله وشربه في نومه، إذ لا تكليف بفعل النائم، ولا بفعل الناسي. زاد المعاد (2/ 74)

 

الدعاء قبل الفطر:

ويُذكر عنه ﷺ أنه «كان يقول عند فطره: "اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، فتقبل منا، إنك أنت السميع العليم". ولا يثبت.

وروي عنه أيضا أنه كان يقول: "اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت". ذكره أبو داود عن معاذ بن زهرة أنه بلغه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك.

وروي عنه أنه كان يقول إذا أفطر: "ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى". ذكره أبو داود من حديث الحسين بن واقد، عن مروان بن سالم المقفع، عن ابن عمر. زاد المعاد (2/ 65 - 66)

 

‌أسباب ‌الفِطر ‌أربعة: السَّفرُ، والمرضُ، والحيض، والخوفُ على هلاك: من يُخشى عليه بصومه كالمُرضع والحامل إذا خافتا على ولديهما، ومثله مسألة الغريق. بدائع الفوائد (4/ 1358)

 

الفطر في السفر في نهار رمضان:

 وسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فصام وأفطر، وخيّر الصحابة بين الأمرين، وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله. زاد المعاد (2/ 67)

 

الله سبحانه أمر المسافر والمريض أن يفطرا في رمضان، ويقضي المسافر إذا قدم، والمريض إذا برئ، حفظاً لقوتهما عليهما، فإن الصوم يزيد المريض ضعفا، والمسافر يحتاج إلى توفير قوته عليه لمشقة السفر، والصوم يضعفها. إغاثة اللهفان (2/ 23)

 

فأما حفظُ القوة: فإنه سبحانه ‌أمر ‌المسافر ‌والمريض ‌أن ‌يفطرا في رمضان، ويقضي المسافر إذا قدم، والمريض إذا بَرِئ؛ حفظًا لقوتهما عليهما؛ فإن الصوم يزيد المريض ضعفًا، والمسافر محتاج إلى توفير قوَّته عليه لمشقة السفر، والصوم يضعفها. إغاثة اللهفان (1/ 23)

 

وأجاز شيخُنا ابنُ تيمية الفطرَ للتَّقَوِّيّ على الجهاد وفَعَلهُ، وأفتى به لما نازلَ العدوُّ دمشق في رمضان. بدائع الفوائد (4/ 1358)

 

والَّذي صحَّ عنه أن يفطر الصائم به: ‌الأكل ‌والشُّرب ‌والحجامة والقيء، والقرآن دالٌّ على أنَّ الجماع مفطِّرٌ كالأكل والشُّرب، ولا يعرف فيه خلافٌ، ولا يصحُّ عنه في الكحل شيءٌ. زاد المعاد (2/ 74)

 

وصحَّ عنه أنَّه كان يستاك وهو صائمٌ. زاد المعاد (2/ 75)

 

وكان يتمضمض ويستنشق وهو صائمٌ، ومنع الصَّائم من المبالغة في الاستنشاق. زاد المعاد (2/ 75)

 

الكبد يحصل لها بالصوم نوع يُبس، فإذا رُطّبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده، ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء، ثم يأكل بعده. زاد المعاد (2/ 64 - 65)

 

الكيفيات الواردة لصلاة الليل والوتر:

وكان قيامه صلى الله عليه وسلم بالليل ووتره أنواعا، فمنها:

1⃣ الذي ذكره ابن عباس (قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف، فنام حتى نفخ. ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات،  ثم أوتر بثلاث).

2⃣ صلاته بركعتين خفيفتين، ثم يتمم ورده إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة.

3⃣ ثلاث عشرة ركعة كذلك.

4⃣ يصلي ثمان ركعات، يسلم بين كل ركعتين، ثم يوتر بخمس سردا متوالية، لا يجلس إلا في آخرهن.

5⃣ تسع ركعات، يسرد منهن ثمانيا لا يجلس في شيء منهن إلا في الثامنة، يجلس يذكر الله ويحمده ويدعوه. ثم ينهض، ولا يسلم. ثم يصلي التاسعة، ثم يقعد، فيتشهد، ويسلم. ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم.

6⃣ يصلي سبعا كالتسع المذكورة، ثم يصلي بعدها ركعتين جالسا.

7⃣ أنه كان يصلي مثنى مثنى، ثم يوتر بثلاث لا يفصل فيهن.

8⃣ ما رواه النسائي عن حذيفة أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فركع، فقال في ركوعه: "سبحان ربي العظيم" مثل ما كان قائما، ثم جلس يقول: "رب اغفر لي، رب اغفر لي" مثل ما كان قائما، ثم سجد، فقال: "سبحان ربي الأعلى" مثل ما كان قائما، فما صلى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال يدعوه إلى الغداة. زاد المعاد (1/ 387 وما بعدها)

 

الزنا في ‌رمضان ليلًا أو نهارًا أعظم إثمًا منه في غيره. إغاثة اللهفان (2/ 876)

 

وكان ‌يحضُّ ‌على ‌الفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى الماء، وهذا من كمال شفقته على أمَّته ونصحهم، فإنَّ إعطاء الطَّبيعة الشَّيءَ الحلوَ مع خلوِّ المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع القوى به، ولا سيَّما القوَّة الباصرة، فإنَّها تقوى به، وحلاوة المدينة التَّمر، ومَرباهم عليه، وهو عندهم قُوتٌ وأُدْمٌ، ورُطَبه فاكهةٌ. زاد المعاد (2/ 64)

 

فلو اتَّفق مثل هذا في الحضر وكان في الفطر قوَّةٌ لهم على لقاء عدوِّهم فهل لهم الفطر؟ فيه قولان، أصحُّهما دليلًا: ‌أنَّ ‌لهم ‌ذلك، ‌وهو ‌اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. زاد المعاد (2/ 67)

 

‌من ‌أنشأ ‌السَّفر ‌في ‌أثناء يومٍ من رمضان فله الفطر فيه. زاد المعاد (2/ 71)

 

وأمَّا الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سئل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ قبَّل ‌امرأته ‌وهما ‌صائمان، فقال: «قد أفطرا» = فلا يصحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. زاد المعاد (2/ 73)

 

وكذلك صوم رمضان، شرع الله سبحانه ‌قضاءه ‌بعُذْر ‌المرض والسفر والحيض. الصلاة (ص: 127)

 

العشر الأواخر:

والأفضل في العُشر الأخير من رمضان: ‌لزومُ ‌المسجد ‌فيه، والخلوةُ والاعتكافُ دون التّصدِّي لمخالطة النّاس والاشتغال بهم، حتّى إنّه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلمَ وإقرائهم القرآنَ عند كثيرٍ من العلماء. مدارج السالكين (1/ 137)

 

التفاضل بين عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان:

ومنها أنه سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟

فقال: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة.

وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيا كافيا؛ فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة، وفيهما يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم التروية، وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التي كان رسول الله ﷺ يحييها كلها وفيها ليلة خير من ألف شهر. فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة. بدائع الفوائد (3/ 1103)

 

التفاضل بين ‌ليلة ‌القدر وليلة الإسراء:

ومنها: أنه سُئِلَ عن ‌ليلة ‌القدر وليلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم أيُّهما أفضلُ؟

فأجاب: بأن ليلة الإسراء أفضلُ في حقِّ النبي صلى الله عليه وسلم وليلةُ القدر أفضلُ بالنسبة إلى الأمّة، فحظ النبي صلى الله عليه وسلم الذي اختصَّ به ليلة المعراج منها أكملُ من حظِّه من ‌ليلة ‌القدر، وحظُّ الأمَّةِ من ‌ليلة ‌القدر أكملُ من حظِّهم من ليلة المعراج وإن كان لهم فيها أعظمُ حظٍّ؛ لكن الفضل والشَّرَف والرتبة العليا إنما حصلتْ فيها لمنْ أُسرِيَ به صلى الله عليه وسلم. بدائع الفوائد (3/ 1103)

 

حقيقة الاعتكاف والحكمة منه:

الاعتكاف مقصوده وروحه: عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيته عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق، والاشتغال به وحده سبحانه بحيث يصير ذكره وحبه، والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهم كله به، والخطرات كلها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه فيصير أنسه بالله بدلا عن أنسه بالخلق، فيعُدُّه بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم. زاد المعاد (2/ 107)

 

دعاء ليلة القدر:

وقال ﷺ لأطوع نساء الأمة وأفضلهن وخيرهن: الصديقة بنت الصديق، وقد قالت له: يا رسول الله، إن وافقت ليلة القدر فما أدعو به؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعفُ عني"، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وهو سبحانه لمحبته للعفو وللتوبة خلق خلقه على صفات وهيئات وأحوال تقتضي توبتهم إليه واستغفارهم، وعفوه ومغفرته. شفاء العليل (1/ 378)

 

قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقد تعددت منهم رؤيا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر" فاعتبر ﷺ تواطؤ رؤيا المؤمنين. إعلام الموقعين (2/ 181)

 

هدي النبي ﷺ في الاعتكاف:

كان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، وتركه مرة، فقضاه في شوال.

واعتكف مرة في العشر الأول، ثم الأوسط، ثم العشر الأخير يلتمس ليلة القدر، ثم تبين له أنها في العشر الأخير، فداوم على اعتكافه حتى لحق بربه عز وجل.

وكان يأمر بخباء فيضرب له في المسجد يخلو فيه بربه عز وجل.

وكان إذا أراد الاعتكاف صلى الفجر ثم دخله، فأمر به مرة، فضرب فأمر أزواجه بأخبيتهن، فضربت، فلما صلى الفجر نظر فرأى تلك الأخبية، فأمر بخبائه فقوض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الأول من شوال.

وكان يعتكف كل سنة عشرة أيام، فلما كان في العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما، وكان يعارضه جبريل بالقرآن كل سنة مرة، فلما كان ذلك العام عارضه به مرتين وكان يعرض عليه القرآن أيضا في كل سنة مرة فعرض عليه تلك السنة مرتين.

وكان إذا اعتكف دخل قبته وحده، وكان لا يدخل بيته في حال اعتكافه إلا لحاجة الإنسان.

وكان يُخرج رأسه من المسجد إلى بيت عائشة، فترجله، وتغسله وهو في المسجد وهي حائض.

وكانت بعض أزواجه تزوره وهو معتكف، فإذا قامت تذهب قام معها يقلبها، وكان ذلك ليلا.

ولم يباشر امرأة من نسائه وهو معتكف لا بقبلة ولا غيرها.

وكان إذا اعتكف طرح له فراشه، ووضع له سريره في معتكفه.

وكان إذا خرج لحاجته مرّ بالمريض وهو على طريقه، فلا يُعرِّج عليه ولا يسأل عنه.

واعتكف مرة في قبة تركية، وجعل على سدتها حصيرا.

كل هذا تحصيلا لمقصود الاعتكاف وروحه، عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم، فهذا لون، والاعتكاف النبوي لون. والله الموفق. زاد المعاد (2/ 108 - 110)

 

دعاء ختم القرآن:

سألتُ أحمد قلت: أختم القرآن أجعلُه في الوِتر أو في ‌التَّراويح؟ قال: اجعله في ‌التَّراويح. قلت: كيف أصنعِ؟ قال: إذا فرغتَ من آخرِ القرآن فارفعْ يديك قبلَ أن تركعَ، وادْعُ بنا ونحن في الصلاة، وأطِلِ القيامَ.. بدائع الفوائد (4/ 1412)

 

يستحب التكبير في البيوت والمساجد والطرقات والأسواق من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى الفراغ من خطبة العيد:

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: وأما ختم الأعمال الصالحة به: فكما خُتم به عمل الصيام بقوله: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) [البقرة: 185]. مدارج السالكين (3/ 212)

 

حكم صوم يوم العيد:

فمن أعظم محاسن الشريعة ‌فرضُ ‌صوم ‌آخرِ ‌يوم ‌من ‌رمضان، فإنه إتمامٌ لما أمرَ الله به وخاتمةُ العمل؛ وتحريمُ صومِ أولِ يومٍ من شوال، فإنه يومٌ يكون فيه المسلمون أضيافَ ربِّهم تبارك وتعالى، وهم في شكرانِ نعمته عليهم. فأيُّ شيء أبلغ وأحسن من هذا الإيجاب والتحريم؟. إعلام الموقعين (2/ 472)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله