قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر: 1 ـ 4]...
قلت: الآية تعمُّ هذا كله، وتدل عليه بطريق التنبيه واللزوم، إن لم تتناول ذلك لفظًا؛ فإن المأمور به إن كان طهارة القلب فطهارة الثوب وطيب مكسبه تكميل لذلك، فإن خبث الملبس يُكسِبُ القلب هيئةً خبيثة، كما أن خبث المطعمِ يُكسِبه ذلك، ولذلك حَرُمَ لبس جلود النمور والسباع بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك في عدة أحاديث صحاح لا معارض لها، لما يكتسب القلب من الهيئة المشابهة لتلك الحيوانات، فإن الملابسة الظاهرة تسري إلى الباطن، ولذلك حَرُم لبس الحرير والذهب على الذكور، لما يُكْسِبُ القلب من الهيئة التي تكون لمن ذلك لُبْسُهُ من النساء، وأهل الفخر والخُيَلاء.
والمقصود أن طهارة الثوب وكونه من مكسب طيب هو من تمام طهارة القلب وكمالها؛ فإن كان المأمور به ذلك فهو وسيلة مقصودة لغيرها، فالمقصود لنفسه أولى أن يكون مأمورًا به، وإن كان المأمور به طهارة القلب وتزكية النفس فلا يتم إلا بذلك، فَتَبيَّنَ دلالة القرآن على هذا وهذا.
إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان (1/ 92 – 93 ط عطاءات العلم)